الثلاثاء، 11 يناير 2011

حب الاحتياج



كانت دائما ما تستغرب موقف والدتها منها عندما تنخرط في حياتها او تقوم بانجاز أمورها بنفسها , كانت تتعجب عندما ترى والدتها وهي تعاتبها برفق لماذا لم تطلب منها ان تعد لها الغداء , أو تقوم بطي ملابسها , في كل مرة تتأهب والدتها للذهاب الى السوق تسألها إن كانت بحاجة الى شئ من هناك , كانت ترد بدون اهتمام بلا , ثم ترى نظرة غريبة على وجه والدتها ما بين الحزن والأسى , كانت تستعجب من هذه النظرة , لماذا تتوقع والدتها حاجتها لشئ من هناك , إنها فتاة كبيرة الان تستطيع القيام بكل شئ واحضار ما تحتاجه من السوق , ولماذا تحزن والدتها من عدم طلب شئ منها , مع إنها  قد تبين شئ من التضجر عند طلبها شئ منها , حتى أنها تتذكر في أحد أيام الامتحانات  طلبت من والدتها أن تحضر لها شئ من الحلوى , قامت الأم على قدم وساق بعمل المطلوب , وإن هاتفتها أحدى الصديقات تخبرها بأن عليها ان تحضر الحلوى , وعندما تنجزها تراقبها باهتمام وهي تأكلها , وصراع في داخلها وكأنها تجلس على كرسي مرصع بالمسامير , ثم تطلق السؤال على استحياء , هل أعجبك ؟ ترد ابنتها عليها بأنها لذيذة وتلتهمها بشهية , عندها تطلق الام تنهيده ارتياح , وتبدأ بوصف ما عانته خلال تحضير تلك الحلوى وكيف أنها قامت بتعديل المقادير لتناسب ذوق ابنتها , فتبدأ الفتاة باطلاق عبارات المديح على الحلوى لكل ما قالته الوالده , عندها تقوم الوالدة مدعية الامبالاه , وتقول بالهنا والشفا وتذهب .
كانت أيضا تستغرب حالة الاستنفار والحزن التي مرت بها والدتها عند زواج أختها الكبرى , وكم الدموع التي ذرفتها لمفارقة ابنتها , وشهور العمل المتواصل بلا كلل او ملل للتحضير للزفاف , ومع لك كانت في شبه حالة انهيار من ذلك.
كانت تستغرب ايضا , عندما كانت تحدثها والدتها عند طفولتها وكانت تلاحظ نبرة حزن عندما كانت تتحدث عن أول مرة قمت بارتداء ملابسي بنفسي , أو تناولي الطعام بالشوكة , او العودة من المدرسة بمفردي , اشعر بأن كبدها تتقطع مع كل ذكرى توحي باستقلال او بعد .
كانت تستغرب فعلا من كل هذه المواقف , كانت تتساءل , أليس من الطبيعي ان تفرح الام عندما يكبر ابناءها ويعتمدوا على انفسهم , كي يخف الحمل من على كتفيها , اليس من المفرح أن ترى أبناءها سعداء بنفردهم ليواجهوا حياتهم , لماذا تحزن عند كل ما ذكرت ,
ولكن الان عرفت طبيعة هذا الشعور , أنه حب الاحتياج , نعم , لأول مرة في حياتها عاشت هذه الحالة , أحست بوالدتها في في كل ذكرى مضت , عندها , وعندها فقط أدركت هذا الوجه الجديد للحب , كيف أن والدتها تحب أن تتعب من أجلها , وتهتم بها , وعند احساسها بعدم احتياج ابناءها لها تشعر بالاهمال وعدم الاهمية , زال كل تعجبها واستغرابها عند وقوعها في نفس الموقف , لم تنجب أطفالا كي تتالم عند كبرهم او زواجهم او استقلالهم , لكنها عانت من اعراض انسحاب الاحتياج , عند فقدانها الشخص تلو الاخر عندما يفقدوا اهتمامهم بها , كانت تشعر بالام عند شعورها بأنها اصبحت جزء من ماضي شخص ما , وأنها لم تعد الحضن الامن له , أحست بطعنات فقدان الاهتمام , وصمتهم المدوي كان كفيلا بصم اذنها , وعيناها تتعذب لرؤيتهم وهم مشغولون بأناس اخرون , شعرت انها وان كانت قطعة من الكريستال , فان مكانها في رف علوي مهمل يعلوها تراب , مؤلم ومحزن هذا الشعور , ولكن
ولكن في طي هذا الأسى استشعرت ملامح وجه جديد للحب , وهو حب الاشخاص لمجرد انهم بخير , لمجرد انها كانت جزء من حياتهم يوما ما , انا بالفعل سعيدة لما وصلوا اليه , وان لم يكن لها وجود حاليا ولكنها حولت قطعة الكريستال من الرف العلوي لمنتصف قلوبهم , فإنها شاءوا أم أبوا جزء من ماضيهم السعيد وفي قلب كيانهم وإن نسوا أو تناسوا وجودها.
الصعب في الموضوع متى وكيف يتحول حب الاحتياج الى الحب البعيد , الصامت , غير المشروط , لا تعلق الا بقولها , يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك

هناك تعليقان (2):

  1. لكم تأثرت بشدة بكلماتك...
    ولكم أيضاً أحسست كيف نسبب الألم لمن نحب دون أن نقصد

    ردحذف
  2. شكرا جدا لتعليقك , سعيدة أن وصلك الإحساس جل ما أطلبه ان يشعر القارئ بمشاعري في الكتابة

    ردحذف