الجمعة، 20 أبريل 2012

القرط الضائع



عادت إلى المنزل وهي تصعد الدرجات القليلة المؤدية إلى الدور العلوي المؤدي لغرفتها في فرحة طفلة صغيرة , واجهتها المرآه الكبيرة  التي في البهو العلوي , تطلعت إلى وجهها في المرآه , واندهشت من تينك الابتسامة الموحية بسعادة لا مثيل لها , كانت وجنتيها متوردتين وفي عينيها لمعة توحي بإشراقة ونشوة داخلية , بينما تتأمل قسمات هذا الوجه الجميل , الذي ازداد جمالا بتلك الابتسامة والسعادة , كانت تتحسس اذنها عندما اكتشفت انها أضاعت قرطها , ظلت تبحث في جيب سترتها وتضع يديها في حقيبتها كيفما اتفق في محاولة لايجاد هذا القرط ,وفجأة تذكرت شيئا , جعل وجهها مكللا بضحكة ملء فمها , لقد توقعت أين فقدت هذا القرط , دلفت إلى غرفتها , القت حقيبة يدها دون اهتمام , ووضعت سترتها التي ابتلت من المطر , وارتمت على سريرها معلقة عينيها في سقف الغرفة , تسترجع شريط ذلك اليوم العجيب , الذي لم تهدأ امطاره حتى عودتها في البرد والمطر اغرقها ولم تحمها مظلتها من أي شئ , كل ما قدمته لها هذه المظلة لمسة جمالية في صورة تذكارية التقطها لها أحد المارة قبيل فقدانها هذا القرط , أو بمعنى أصح قبيل مقابلته بدقائق , كانت تنتظره في وسط الشارع الكبير بالمدينة كما أخبرها , ظلت تنتظر لدقائق حتى وجدته يأتي من خلفها , استقبلته كعادتها بابتسامة ملء وجهها , واستقبلها بقبلتين ناعمتين على وجنتيها , كعادة بدايات اللقاء كلمات تفقد عن الأحوال وعن الطقس خلال خطوات قليلة وسط المارة وتحت المطر الغزير , كان الطقس هذا اليوم ضدهما حتى هذه اللحظة , البرد شديد جعل ايديهم متجمده وخطواتهم متخشبة , وكلماتهم تخرج مع دخان البرد الأبيض من أفواههم , كان الطقس بأي حال من الأحوال غير مناسب لأي لقاء كان , بعد عدة خطوات اقترح عليها الجلوس في مكان مغلق أو مقهى , اعتذرت له بأنها كانت انهت غداءها وقهوتها توا , اقترح عليها ان يدخلا السينما لتقضية الموعد فهي المكان المناسب في هذا الوضع , اظهرت له حماسا ساذجا ظلا يتنقلان بين دور السينما بحثا عن فيلم مناسب , ظلت تعترض على الأفلام حتى وجدت ضالتها في أحد الأفلام بدا غريبا عليها , فقررت ان يحجزا في هذا الفيلم " كعادتها تحب تجربة الأشياء الجديدة , فالتكرار يقتلها دائما , وتعيش على العفوية والمفاجآت , كعادته دائما تقدم ليحجز لهما تذكرتين في الحفلة المقبلة , ولم يقبل عرضها في دفع ثمن تذكرتها على ألأقل ودحجها بنظرة الشرقي " أن معك رجلا ليهتم بالامور المادية " كما تعودت ايضا لن تجادله , عاد اليها اخبرها انه لا تزال ساعة حتى موعد العرض , عرض عليها الجلوس في المقهى الملحق بالسينما قتلا للوقت هناك , اعتلت أحد الكراسي المرتفعة هناك ولحقها بكوبين من الشاي المطيب بالنعناع , فقد عرف مشروبها المفضل رغم حداثة معرفته بها , اخرجت علبة سجائرها اشعلت واحدة وعرضت عليه أخرى , تعجب عند رؤيتها تدخن , سألها بتعجب , الم تخبريني انك لا تدخني , ردت بقلة أهمية انها تدفئها قليلا في هذا البرد غير المعتاد , فهي لم تعتد جو هذه البلاد , فقد اعتادت العيش في بلد دافئ , فقد تلهيها قليلا عن هذا الزمهرير , لم يعلق وظلا يحتسيان الشاي ويدخنا حتى قاربت العلبة على الانتهاء , وقاربت الساعة على الرابعة موعد عرض الفيلم , كان الحديث بينهما معتادا يقرب الى الملل , أوحى لها بأن الأمسية ستكون على هذا المنوال , لكنها اكتشفت لاحقا بأنها مخطئة تماما , دلفا الى القاعة , كانت لا تزال أضوءها موقدة , ولا يجلس فيها غير 6 أشخاص , لم تستغرب قلة هذا العدد , فلا عجب ان تكون السنما فارغة في بلد غير معروف بانتاج الافلام , ولا يهتم مواطنيه بالسينما المحلية , كانوا 4 اشخاص يجلسون أماما على اليمين , واثنان يجلسون خلفا على اليمين , سألها تأدبا اين تريد ان تجلس بينما كان يسبقها يسارا إلى الصف الأخير , تبعته بتلقائية وجلسا متجاورين , انطفأت الأضواء معلنة عن بدء العرض , كانت تتابع البداية بحماس وتركيز فقد كانت لغة الفيلم صعبة عليها قليلا , بينما كانت عيناها معلقة بالشاشة كانت عينيه معلقة على وجهها , بطرف عينيها اكتشفت نظراته المتلصصة عليها , فالتفتت اليه واولته ابتسامة صغيرة ثم أعادت نظرها للشاشة والقت برأسها على كتفه , ظلا صامتين لمدة , كان صمتا متواطئا , مع توتر بينهما , كان صمتا مفضوحا , يخبر أكثر بكثير من الكلام , صمتا يدعو للفعل , للتقدم للجرأة , صمتا قطعه هو بقوله , بأن نحي عنك معطفك فالجو سيصبح اكثر سخونة داخل القاعة بسبب التدفئة المركزية , " ولاحقا بالفعل اكتشفت بأن الجو أصبح أكثر سخونة   فعلا   ولكن ليس بسبب التدفئة " ,  نحى هو الاخر معطفه والقاه على الكرسي الفارغ بجانبه , اعتدل في جلسته ليصبح اقرب اليها , واحاط كتفيها بذراعه , امال رأسها على كتفه , ربت قليلا على كتفها , ثم التقط يدها وطبع عليها قبلة حانية , أصابتها بدهشة مفرطة , جعلها تفكر ماذا تفعل في هذا المكان ؟ , اين هي ومع من ؟ كيف انها قطعت الاف الأميال لتكون في بلد مع شخص بالكاد تعرفه ولم تقابله غير مرتين , وهي معه الان في السينما في وضع شبه حميمي جدا , من أين لها هذه الجرأة , أم من أين لها هذا الاطمئنان , لماذا تتعامل معه وكأنه صديق قديم , او حبيب مقبل , تتحدث معه براحة تامة , شعرت بالفعل بمقوله " ان الارواح قد تتلاقي قبل الاجساد" سالت نفسها أهي مندهشة حقا , ام انها متوقعة ما سيجري , ام انها كانت تستحثه لما حدث لاحقا , أخرجها من دوامة هذا الاسئلة حديثه الموجه اليها , فقد سألها هل تفهمين ما يجري , أومأت برأسها أن لا , ظل يشرح لها ويوضح كان يقترب بفمه من اذنها يهمس لها همسا ما يدور في الفيلم , عندما انتهى لم يعد بظهره الى الوراء , اقترب اكثر كانت شفتيه تعبر من أذنها على وجنتيها حتى وصلت طرف شفتيها , وفي غفلة منها كانت شفتاه تلتهمها التهاما , لم تقاوم , ولم تتجاوب , كانت مستسلمة فحسب , كانت تستمتع باستسلامها له , كانت هذه الثواني المعدودة كأنها سنوات عند انتهاءها كانت الافكار تدور في راسها , فقد علمت الان ان في بلد لا يهتم بالسينما فإن دور السينما اصبحت اماكن لممارسة الحب , مكان تقابل العشاق لاختلاس لحظات حميمة بعيدة عن الاعين , احست بتواطئ الطقس معه لكي يحاصرها ويجبرها على الاستسلام , في غمرة أفكارها مال على راسها وسالها ان كانت تشعر بأي ندم بعد هذه القبلة , نظرت له بعدما سقطت كل اقنعة المقاومة وكل ما يدور في رأسها مقولة أوسكار وايلد " الطريقة المثلى في التعامل مع الإغواء الاستسلام له " لم تكد تخرج من فمها كلمة " لا " حتى هوا عليها بقبلة أخرى أقوى وأعنف , فقد كان في القبلة الأولى كالأعمى الذي يتحسس طريقه , لكنه الان بكل ثقة لن يتردد بأن يقابل بالرفض او المقاومة , كانت شفتيها تحوط شفتيها , وذراعيه الخبيرتان يلتفان حول جسدها بقوة , بين قبلة عنيفة وأخرى كان يدلل شفتيها بقبلات صغيرة ناعمو وكأنها اعتذار عما بدر من شفتيه من قوة واندفاع المشتهي , بينما كانت يديه تعبثان في جسدها بلا توقف , كان يهمس لها بين حين وآخر ان كانت سعيدة أم لا , لم تكن تجيبه كلاميا لكن كانت تتجاوب معه برد عملي يطغى على أي كلمات يمكن ان تقال , ظلا يتبادلان اللحظات والهمسان واللمسات الحميمة حتى أوشك العرض على الانتهاء , اعتدلت ترتب ثيابها ولكنها لم تنتبه لضياع القرط الذي ضاع في غمرة اللحظات المحمومة , استفاقت على صوت بجانبها فإذا بهاتفها المحمول , التقطته من الطاولة بجوار السرير فإذا به هو , يشكرها على هذه الأمسية الرائعة , ويقول لها سوف أشكرك حتى تملي الشكر ,,,
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق